الأحد، 8 يوليو 2012

الإمام الشافعي

وفق الله سبحانه وتعالى الأمة الإسلامية برجال وهبوا حياتهم، وجهودهم، ومساعيهم من أجل خدمة دين الأمة، والمحافظة على مقوماته، وبذل الجهد والعمر من أجل عزة هذا الدين وسؤدده، ونقاءه من الشبهات والشهوات، والبدع والخرافات، لقد قيض الله لهذا الدين رجال عرفوا معنى العلم، وعرفوا لذة العبادة، ومدى فضل العالم على العابد، ومحبة التقرب إلى الله، وقدَّروا عظمة الله، وتوحيده، وعرفوا حقاً مدى عظمة خدمة دينه، وما يترتب عليها من الأجر العظيم، والجزاء الكبير من عند الله عز وجل.
كانت الأمة بحاجة إلى من يجمع أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويميز الحديث الصحيح من غيره، بمعرفة رجال الحديث من المدلسين والواهمين وغيرهم، كي تبقى سنة النبي محفوظة، ولذلك يستطيع العلماء بعدها يستنبطون الأحكام، ويفتون على ضوء تلك الأحاديث ومدى فهمهم لها. ولا تزال الأمة في كل زمان ومكان فيها من العلماء الصادقين، والناصحين الذين استعملهم الله في خدمة دينه، فأظهروا الحق الذي عرفوه، واسمعوا الدنيا كلها العقيدة النقية الصحيحة، ومن هؤلاء العلماء الإمام الشافعي الذي سأتحدث عن هذا العلم الذي أثرى المكتبة الإسلامية رغم صعوبة الزمن، وقسوته، وعدم توفر الإمكانيات في البحث عن المعلومات والأحاديث، إلا بالانتقال من بلدٍ لآخر، والتعلم على أيادي العلماء من بلد إلى بلد.

الإمام الشافعي هو أبو عبداللـه، محمد بن إدريس الشافعي القرشي المطّلبي المكّي، ولد رحمه اللـه سنة 150هـ في السنة التي توفّي فيها أبو حنيفة رحمه اللـه، لأسرة فقيرة تقيم في أحياء قبائل اليمن بغزّة الشام، وقيل بعسقلان قرب غزّة، وتوفّي والده وهو صغير فحملته أمّه وهو ابن عامين إلى مكّة خوفاً من ضياع نسبه، فأقام عند أقاربه وفيها أخذ أوّل علومه، ويروي الشافعيّ لنا نشأته فيقول: «كنت يتيماً في حجر أمّي ولم يكن لها ما تعطيني للمعلّم وقد رضي منّي أن أقوم على الصبيان إذا غاب وأخفّف عنه...، وحفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين.. و حفظت الموطّأ وأنا ابن عشر...، ولمّا ختمت القرآن دخلت المسجد فكنت أجالس العلماء وأحفظ الحديث أو المسألة وكان منزلنا في شعب الحيف.. ما كنت أجد ما أشتري به القراطيس فكنت أخذ العظم وأكتب فيه وأستوهب الظهور -أي الرسائل المكتوبة- وأكتب في ظهرها». وروى الربيع بن سليمان أنّ الشافعي رحمه اللـه كان يفتي وله خمس عشرة سنة وقد أجازه مسلم بن خالد الزغبي مفتي مكّة وعالمها كما يروي لنا عبداللـه بن الزبير الحميدي قال: قال مسلم بن خالد للشافعيّ: «أفتِ يا أبا عبداللـه فقد آن لك أن تفتي».
نعم هذه صفات العلماء الصادقين، الذين بذلوا أعمارهم في تحصيل العلم الشرعي الذي يقربهم من رضا الله سبحانه وتعالى، اهتم رحمه الله بالقرآن الكريم فحفظه وعمره سبع سنين، كان شجي الصوت في تلاوة كتاب الله، حيث كان من يسمع تلاوته وحسنها ، وتفاعله مع آيات الله يبكي، حيث كان يؤم الناس في الحرم المكي الشريف، أما في تعلمه للغة فقد مكث في منطقة هذيل القبيلة العربية المشهورة بفصاحتها ، فهي أفصح العرب.
وكذلك برع رحمه الله في تعلم الفقه وأحاديث الأحكام الشرعية، فحفظ في الثالثة عشرة من عمره كتاب الموطأ للإمام مالك رحمه الله، وهكذا ندرك مدى عمق التربية الإيمانية وفضلها على النشء، وندرك مدى فضل العلم والعلماء في حياة الإمام الشافعي، تولى الإمارة في نجران في عام 179 ولم يسلم من الوشاة حيث استدعاه الخليفة هارون الرشيد وأوقفه ثم دافع عن نفسه بحجة وبراهين دامغة فثبتت براءته، بقي في مكة تسع سنوات يعلم الناس العلم الشرعي في بيت الله الحرام، ثم عاد إلى بغداد عام 195 وبقي فيها سنتين يدرس الناس واستطاع بوفرة علمه وإطلاعه وحفظه أن يؤلف كتاب الرسالة، ونشر فيها مذهبه القديم ولازمه خلال هذه الفترة اربعة من كبار اصحابه وهم احمد بن حنبل ، وابو ثور ، والزعفراني ، والكرابيسي . ثم عاد الامام الشافعي الى مكة ومكث بها فترة قصيرة غادرها بعد ذلك الى بغدادسنة (198هجرية ) وأقام في بغداد فترة قصيرة ثم غادر بغداد الى مصر .
كان مذهب الإمام الشافعي متأصل بفقه أهل بغداد وأهل الحجاز، فقد كان ألإمام الشافعي معاصراً لتلك المنطقتين، وعالماً بالكتاب والسنة، فاهماً لأصول اللغة العربية، وكذلك تعلم منهج عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أمر بالاجتهاد في لقضايا التي ليس فيها دليل من الكتاب والسنة ، وهي مدرسة الرأي التي كان مسؤولاً عن نشر تلك الدراية عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، ومن أشهر تلامذة ابن مسعود الذين أخذوا عنه : علقمة بن قيس النخعي ، والاسود بن يزيد النخعي ، ومسروق بن الاجدع الهمداني ، وشريح القاضي ، وهؤلاء كانوا من ابرز فقهاء القرن الاول الهجري.

أما منطقة الحجاز فقد نشأ فيها مدرسة الحديث وهي المدرسة التي تعتمد في أحكامها على نصوص الكتاب والسنة، وهي امتداد لمدرسة عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم أجمعين، وكذلك استمرت إلى أن جاء كبار الأئمة مثل سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير ، والقاسم بن محمد ، وابن شهاب الزهري ، والليث بن سعد ، ومالك بن انس .

لقد تعلم الشافعي من المدرستين، فقد تتلمذ على ايدي فقهاء المدرستين، فتعلم على يد مالك بن أنس في مدرسة الحديث، ومحمد بن الحسن الشيباني في مدرسة الرأي ، ففض الخلافات بين المدرستني وحاول أن يوفق ويجمع ما يستطيع رأب الصدع والخلاف بين المدرستين.

قام الإمام الشافعي بتأليف كتابه الأم، والذي جسّد الفقه الشافعي للاحكام بالأدلة الشرعية، ويبين في المسائل وجه الاستدلال بالدليل، وقواعد الاجتهاد وأصول الاستنباط التي اتبعت في استنباطه، فهو يرجع اولا الى القران وما ظهر له منه ، الا اذا قام دليل على وجوب صرفه عن ظاهره ،ثم الى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى الخبر الواحد الذي ينفرد راو واحد بروايته ، وهو ثقة في دينه ، معروف بالصدق ، مشهور بالضبظ . وهو يعد السنة مع القران في منزلة واحدة ، فلا يمكن النظر في القران دون النظر في السنة التي تشرحه وتبينه ، فالقران يأتي بالاحكام العامة والقواعد الكلية ، والسنة هي التي تفسر ذلك ،فهي التي تخصص عموم القران او تقيد مطلقه ، او تبين مجمله .
رحم الله الإمام الشافعي وغفر له ورزقنا واياكم العلم النافع والعمل الصالح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق