الأحد، 8 يوليو 2012

منطق ابن تيمية ومنهجه الفكري

منطق ابن تيمية ومنهجه الفكري

قراءتي هذا اليوم لكتاب فيه الحرص على العقيدة الإسلامية الصافية، وفيه الردود على أهل المنطق ، والفلاسفة ، وفيه المنهج الذي اتبعه شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله، وهو الكتاب الذي أصَّل الطريقة والمنهج الفكري الذي كان يدل دلالة واضحة في سلوك وطريقة شيخ الإسلام ابن تيمية،هذا الكتاب ألفه الدكتور محمد حسني الزين. ولقد أوضح الكاتب هدفه من وضع الكتاب وهو أن يتتبع جميع أبواب العلم التي طرقها شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله إلا أن كثرة تلك الأبواب حالت دون الوصول إلى غايته. وكثير من حاول أن يكتب عن هذا العالم الفذ، ولكنه لا محالة يجد صعوبة قصوى في الإحاطة بأعماله ، وأساليبه، والإحاطة بسعة علمه، ودقة ردوده على أهل البدع والزندقة، وردوده كذلك على أهل المنطق والفلسفة من مفكري عصره ، أو من سبقوه.
يقول المؤلف:" كان ابن تيمية يعجبه من يفتش عن الحكمة في كل شيء، ولا يفتش عنها بما هو نصب عينيه راسخ في تعاليم الكتاب والسنة، فيدعوا هؤلاء للتنقيب عنها في هذين المصدرين، وبذلك سيجدون ضالتهم.
ومن أجل أعماله أيضاً أنه يجادل الفلاسفة بكل وسائل الإقناع، ويجادلهم في أغلب محاوراته بالأدلة النقلية، محاولاً إقناعهم بما جاء في الآيات والأحاديث والسير. وقد ركز المؤلف على دراسة المنطق عند أبن تيمية. وحقيقة لم يولها أحداً من الدارسين وهي طريقة ابن تيمية بكيفية منطقه (أو نقضه للمنطقيين) ومقارعته لخصومه وذلك بالحجج والأدلة الصحيحة. كان ابن تيمية برفض المنطق الأرسطي(1)وكان يقول :" فلا ما نفوه من طرق غيرهم كله باطل، ولا ما أثبتوه من طرقهم كلها حق على الوجه الذي أعده".
أما الوجه الإيجابي من ذلك المنطق فإنه يقوم على رسم طريق للعلم يسير عليه الإنسان وهو طريق النفس العالمة. ويضيف شيخ الإسلام" إن المعرفة تكون لدى الناس لا عن طريق المنطق ولا عن طريق الفلسفة، فكل ذلك لا يؤدي إلى معرفة حقيقية، بل أن وجود النفس العالمة المدركة للأشياء المحسوسة هو السبيل الوحيد إلى تحصيل المعرفة. لقد هدم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله منطق أرسطو مبيناً عجزه في مجال المعرفة الإنسانية. فكان يرى ابن تيمية أن المنطق الأرسطي يجعل الإنسان محبوس العقل واللسان، وضيق العبارات والتصورات في حين يريد هو أن يحرر الإنسان من قوالب الألفاظ، ويرجع به إلى المعاني العقلية، ويدعوا إلى صياغة الأدلة في عبارات الناس وفقاً للعقل الصريح ودون التقيد بالمنطق الأرسطي.. وكذلك يعتبر طريق المنطق طريقاً ضيقاً وطويلاً، ومن يسلكه يتكلف ويتعثر. ثم أن من يسلك هذا الطريق يكون كمن تكون غايته بيان البين وإيضاح الواضح. ويعتبر ابن تيمية رحمه الله أن المنطق اليوناني وضعه رجل يوناني، ولا يحتاجه العقلاء بشيء في حياتهم، وطلب العلم ليس موقوفاً عليه.
قال ابن تيمية " طريق العلم لا يكون باستخدام ألفاظهم أمثال فيلاسوفيا، وانولوجيا، ومثل تسميتهم للفعل كلمة، والحرف إرادة. لأن لغتهم تختص بهم وهم يعبرون بها عن معانيهم".
ومن كلام ابن تيمية في الحسيات " طريق الحس هو طريق يقيني يحصل به الاقتناع بدون القضية الكلية، فليس في الحس قضية كلية عامة تصلح أن تكون مقدمة في البرهان اليقيني، لأن التجربة والعادة هي التي تكسب المرء علماً بالأشياء عن طريق الحس". ودلَّل على كلامه حين ضرب النار مثالاً فنعرف حرارتها، وخاصية إحراقها لأننا كثيرا ما نستخدمها. لقد جزأ الكاتب الدكتور محمد الزين كتابه إلى أربعة أبواب، فالباب الأول ذكر فيه حياة ابن تيمية ومؤلفاته ,منها .. رسائل في التفسير، ووصفها بأنها كثير ة وعلى رأسها رسالة في التفسير وكيف يكون وكذلك ذكر كتبه في العقيدة، مثل الرسالة الحموية، والتدمرية، والواسطية، والكيلانية، والبغدادية، والبعلبكية، والأزهرية، والإكليل، ورسالة مراتب الإدارة، ورسالة الاحتجاج بالقضاء والقدر،وبيان الهدى من الضلال، ومعتقدات أهل الضلال، و معارج الوصول، والسؤال عن العرش، وبيان الفرق الناجية والجوامع، والفتاوى والجمع بين العقل والنقل، ومنهاج السنة النبوية، والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وإبطال قول الفلاسفة بإثبات الجواهر العقلية. أما الفقه فرسالة القياس، وكتاب في نكاح المحلل، وكتاب العقود.
وذكر المؤلف كيف كانت حياة ابن تيمية في ظل النواحي السياسية ، والاجتماعية، والدينية فقد جاءت غزوات التتار في العصر الذي عاش فيه شيخ الإسلام بن تيمية.أما الناحية الدينية والاجتماعية فقد ذكر المؤلف أن ابن تيمية وعز الدين بن عبد السلام، ومحيي الدين الندوي كانوا لا يخافون في الله لومة لائم. وذكر كيفية انتشار التصوف في تلك الفترة، وكيف أن ذلك التصوف أثَّر في الحركة العلمية.
وذكر كلام ابن تيمية في نقده للمتكلمين حيث قال ابن تيمية" الردود على المعتزلة والقدرية، وبيان تناقضهم فيها قهر للمخالف، وإظهار فساد قولهن وهي من جنس المجاهد المنتصر، فالراد على أهل البدع مجاهد، حتى كان يحيى بن يحيى يقول: الذب عن السنة أفضل من الجهاد، لأن المتكلمين منحرفون عن السنة والشريعة.
الكتاب اجتهد فيه الدكتور بإخراجه إخراجاً طيباً وفقه الله، ورحمنا وإياه وشيخ الإسلام ابن تيمية والسلام عليكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق